الجمعة، 21 أغسطس 2009

(الوصية الأولى)

هذا جزء من مقدمة كتاب ( ثلاثون وصية ووصية لتكون قائداً ناجحاً ) لأمير محمد المدري إمام وخطيب مسجد الإيمان –اليمن – عمران
"أسأل الله أن ينفع به كل قائد وكل مربي وكل مسلم إنه ولي ذلك والقادر عليه .
0000000000000000000

المقدمة :
عملية القيادة ووجود القائد الجيد على رأس عمله أمر غاية في الأهمية، بل نكاد نقول إن جزءاً كبيراً من تخلف الأمة في شتى الميادين بما فيها العلمية والتجارية والاقتصادية يرجع لعدم وجود ما يكفي من القادة في منظماتنا ومؤسساتنا الاقتصادية والتجارية. إذ كيف تبحر السفينة بدون ربان وكيف تصل دون تخطيط ودراسة للطريق الذي تسلكه وحالة البحر وما إلى ذلك .


وبالجملة فلا صلاح للبشر إلا بوجود القيادة كما قال الشاعر الجاهلي الأفوه الأودي:
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم * ولا سـراة إذاجهالهـم سـادوا
والبيـت لا يبتنـى إلا على عمد *** ولا عمـاد إذا لم تـرس أوتـادُ
فـإن تجمـع أوتـاد وأعمـدة *** وسـاكن أبلغوا الأمر الذي كادوا

اللهم هيئ لهذه الأمة قائدًا ربانيًا ينقاد للحق ويقودها.
هذه أسئلة ونداءات ودعوات طالما ترددت في أذهاننا ونطقت بها ألسنتنا وسمعناها بين جدران المساجد من أفواه الخطباء على أعواد المنابر، ولكنها إنما تعبر تعبيرًا مباشرًا عن أهمية القيادة.
ومن هنا كان هذا البحث المتواضع الذي يتناول وصايا وصفات القائد الفعال والمؤثر الذي من شأنه أن يعيد للأمة شيئاً من مجدها الضائع ...

000000000000000000

الوصية الأولى: القدوة والتقوى:
إن الناس تسمع بأعينها قبل أن تسمع بآذانها.
تسمع من القائد الأوامر والعرض القوي ..لكنها مدركة أن هناك أمراً أكثر من ذلك وهو رؤية القائد ملتزماً بما يقول..ودون ذلك فلا استماع ولا ثقة .
وما أجمل الحكمة المأثورة التي تصف مسؤولية القائد فتقول: 'إذا أردت أن تكون إمامي فكن أمامي'.


القيادة الحقة هي التي يترجم بها القائد مهمته بسلوكه فليس تأثيرها من خطبة عصماء أو صرخات عرجاء أو صيحات رنانة.
القيادة الحقة ليست مجرد مركز أو مكانة أو قوة وإنما تفاعل نشط مؤثر وسلوك يترجم به مهمته.

وتكمن أهمية القدوة الحسنة في الأمور الآتية:

1- المثال الحي المرتقي في درجات الكمال، يثير في نفس البصير العاقل قدرًا كبيرًا من الاستحسان والِإعجاب والتقرير والمحبة. ومع هذه الأمور تتهيج دوافع الغيرة المحمودة والمنافسة الشريفة، فإن كان عنده ميل إلى الخير، وتطلع إلى مراتب الكمال، وليس في نفسه عقبات تصده عن ذلك، أخذ يحاول تقليد ما استحسنه وأعجب به، بما تولد لديه من حوافز قوية تحفزه لأن يعمل مثله، حتى يحتل درجة الكمال التي رآها في المقتدى به.

2- القدوة الحسنة المتحلية بالفضائل العالية تعطي الآخرين قناعة بأن بلوغ هذه الفضائل من الأمور الممكنة، التي هي في متناول القدرات الإِنسانية وشاهد الحال أقوى من شاهد المقال.
3- مستويات فهم الكلام عند الناس تتفاوت، ولكن الجميع يتساوى أمام الرؤية بالعين المجردة لمثال حي. فإن ذلك أيسر في إيصال المعاني التي يريد الداعية إيصالها للمقتدى. أخرج البخاري في صحيحه عن ابن عمر - رضيِ الله عنهما- قال: اتخذ النبي r خاتمَا من ذهب، فاتخذ الناس خواتيم من ذهب، فقال النبي، r { إني اتخذت خاتمًا من ذهب فنبذه وقال: إني لن ألبسه أبدًا، فنبذ الناس خواتيمهم } ([1]).
قالت العلماء: " فدلَّ ذلك على أن الفعل أبلغ من القول ".

4- الأتباع ينظرون إلى القائد نظرة دقيقة فاحصة دون أن يعلم، فربَّ عمل يقوم به لا يلقي له بالًا يكون في حسابهم من الكبائر، وذلك أنهم يعدونه قدوة لهم، ولكي ندرك خطورة ذلك الأمر ،

فلنتأمل هذه القصة.

يروى أن أبا جعفر الأنباري صاحب الِإمام أحمد عندما أُخبر بحمل الإِمام أحمد للمأمون في الأيام الأولى للفتنة. عبر الفرات إليه فإذا هو جالس في الخان، فسلم عليه، وقال: يا هذا أنت اليوم رأسٌ والناس يقتدون بك، فوالله لئن أجبتَ إلى خلق القرآن ليجيبنَّ بإجابتك خلق من خلق الله، وإن أنت لم تجب ليمتنعنَّ خلق من الناس كثير، ومع هذا فإن الرجل- يعني المأمون - إن لم يقتلك فأنت تموت، ولا بد من الموت فاتق الله ولا تجبهم إلى شيء. فجعل أحمد يبكي ويقول: ما قلت؟ فأعاد عليه فجعل يقول: ما شاء الله، ما شاء الله.
وتمر الأيام عصيبة على الِإمام أحمد، ويمتحن فيها أشدّ الامتحان ولم ينس نصيحة الأنباري، فها هو المروزي أحد أصحابه يدخل عليه أيام المحنة ويقول له: "يا أستاذ قال الله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما} .فقال أحمد: يا مروزي اخرج، انظر أي شيء ترى ! قال: فخرجتُ إلى رحبة دار الخليفة فرأيت خلقًا من الناس لا يحصي عددهم إلا الله والصحف في أيديهم والأقلام والمحابر في أذرعتهم، فقال لهم المروزي: أي شيء تعملون؟ فقالوا: ننظر ما يقول أحمد فنكتبه، قال المروزي: مكانكم. فدخل إلى أحمد بن حنبل فقال له: رأيت قومًا بأيديهم الصحف والأقلام ينتظرون ما تقول فيكتبونه فقال: يا مروزي أضل هؤلاء كلهم ! أقتل نفسي ولا أضل هؤلاء".

فمن أبرز أسباب أهمية القدوة أنها تساعد على تكوين الحافز في الأتباع دونما توجيه خارجي، وهذا بالتالي يساعد التابع على أن يكون من المستويات الجيدة في المسالك الفاضلة من حسن السيرة والصبر والتحمل وغير ذلك.
بل متى يكون المرء قدوة صالحة وأسوة حسنة ما لم يسابق إلى فعل ما يأمر به من خير وترك ما ينهى عنه من سوء؟! وقد جاء في الصحيحين وغيرهما عن أسامة بن زيد - رضي الله عنهما- أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: { يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه- يعني أمعاءه- في النار فيدور بها كما يدور الحمار برحاه فيجتمع أهل النار عليه فيقولون: أي فلان ما شأنك؟ أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه }

وهنا مسألة هامة يحسن التنبيه إليها في هذا المقام وهو أن المسلم، حتى ولو كان قدوة مترقيًا في مدارج الكمال قد يغلبه هوى أو شهوة أو تدفعه نفس أمارة بالسوء أو ينزغه الشيطان، فتصدر منه زلة أو يحصل منه تقصير.
فإذا حدث ذلك فليبادر بالتوبة والرجوع وليُعْلم أن هذا ليس بمانع من التأسي به والاقتداء، فالضعف البشري غالب والكمال لله وحده ولا معصوم إلا من عصم الله.
وقد حدث مالك عن ربيعة قال: سمعت سعيد بن جبير يقول: لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء ما أمر أحد بمعروف ولا نهى عن منكر. قال: وصدق من ذا الذي ليس فيه شيء ".


وقد قال الحسن البصري لمطرف بن عبد الله بن الشَخير: "يا مطرف عظ أصحابك. فقال مطرف: إني أخاف أن أقول ما لا أفعل- فقال الحسن: يرحمك الله وأينا يفعل ما يقول؟؟ لود الشيطان أنه ظفر بهذه منكم فلمِ يأمر أحد بمعروف ولم ينه عن منكر".


وقال الحسن أيضًا: "أيها الناس إني أعظكم ولست بخيركم ولا أصلحكم وإني لكثير الإِسراف على نفسي غير محكم لها ولا حاملها على الواجب في طاعة ربها، ولو كان المؤمِن لا يعظ أخاه إلا بعد إحكام أمر نفسه لعُدم الواعظون، وقلَّ المذكرون ولما وُجِد من يدعو إلى الله جل ثناؤه ويرغَب في طاعته وينهى عن معصيته، ولكن في اجتماع أهل البصائر ومذاكرة المؤمنين بعضهم بعضًا حياة لقلوب المتقين، وإذكار من الغفلة، وأمن من النسيان، فألزموا - عافاكم الله- مجالس الذكر، فرب كلمة مسموعةٌ ومحتقرٍ نافعٌ".


ومن لطائف الفقه عند أهل العلم رحمهم الله ما ذكروا في تفسير قوله تعالى: { أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون }

فالمعنى أن الله ذم بني إسرائيل على هذا الصنيع حيث كانوا يأمرون بالخير ولا يفعلونه، وليس المراد ذمهم على أمرهم بالبر مع تركهم له بل الذم على الترك وحده وليس على الأمر، فإن الأمر بالمعروف مطلوب من العامل ومن المقصر ويتأكد هذا المعنى من الآية الثانية في قوله سبحانه: { كانوا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون} فالله ذمهم ولعنهم ليس على فعلهم المنكر فحسب بل على تركهم التناهي عنه، فالمقصر عليه واجبان:

الأول: الكف عن التقصير

والثاني: دعوة المقصرين إلى ترك التقصير. وهو فقه دقيق ينبغي أن ينتبه له القادة والدعاة والمربون وكفى بربك هاديًا ونصيرًا.


التقوى والإخلاص:
المنهج الإسلامي التربوي حريص دائما على بلورة شخصية القائد بشكل يتم فيه استواء شخصيته مع زيادة إيمانه , فلا يفرق المنهج الإسلامي التربوي بين زيادة الإيمان وحسن السلوك وطهارة الباطن , بل رفع النبي -صلى الله عليه وسلم -منزلة الخلق الحسن فقال كما روي في الصحيح " إن أقربكم منى مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا " ..

لذلك لا تكتمل شخصية القائد على المستوى التربوي في النهج الإسلامي حتى يكتمل شخصيته من شتى الجوانب وتهذب أخلاقه وتتضح مبادئه وتعلو قيمه ..

فقد كتب عمر بن الخطاب _رضي الله عنه_ إلى قائدة سعد بن أبي وقاص _رضي الله عنه_ ومن معه من الأجناد : أما بعد، فإني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال؛ فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو، وأقوى المكيدة في الحرب، وآمرك ومن معك أن تكونوا أشد احتراسا من المعاصي منكم من عدوكم؛ فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم، وإنما ينصر المسلمون بمعصية عدوهم لله، ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة؛ لأن عددنا ليس كعددهم ولا عدتنا كعدتهم ، فإن استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة، وإلا ننصر عليهم بفضلنا لم نغلبهم بقوتنا، واعلموا أن عليكم في سيركم حفظة من الله يعلمون ما تفعلون ، فاستحيوا منهم، ولا تعملوا بمعاصي الله وأنتم في سبيل الله، ولا تقولوا: إن عدونا شرمنا فلن يسلط وإن أسأنا، فرب قوم سلط عليهم شر منهم، كما سلط على بني إسرائيل لما عملوا بمساخط الله كفرة المجوس " فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا " ، واسألوا الله العون على أنفسكم كما تسألونه النصر على عدوكم …).

000000000000000000000000000

إن كنت من أهل الدنيا ، فبإذن الله ستجدون غداً صفحة جديدة ...
وإن غبت عن الدنيا ، فلا تحزنوا وقولوا : ياااااهـ كم كانت تحبنا ...

قبل أنا تغادر أريد أن أهمس في أذنك ...

مراقبتك لمن تتوقع أنهم يغارون من نجاحك هي الشيء الوحيد الذي قد تنشغل به لتتعثر وأنت تقوم بصعود السلم الذي يؤدي إلى قمة الهرم ...

00000000000000000000000





هناك تعليقان (2):

إن كان لديك ما تحب إضافته، فلا تحرمني الفائدة